.النص الكامل للمقابلة التي أجراها اسماعيل ولد الليلي مسؤول الشباب بحركة “صحراويون من أجل السلام” وعضو لجنتها المركزية، مع جريدة جريدة الطريق ضمن ملف أسبوعي بقضية الصحراء الغربية
أقام اللقاء الصحفية الباحثة حول الصحراء الغربية د.كريمة بنعثمان
حركة “صحراويون من أجل السلام” هي إطار سياسي جديد، تم الاعلان عنه في 22 من أبريل المنصرم، فيما عقدت مؤتمرها التأسيسي في الثالث من الشهر الجاري، بعد تنظيم مؤتمراتها الفرعية في كل من العيون، الداخلة، نواذيبو، تولوز، إضافة الى العشرات من اللقاءات والندوات التحسيسية والتأطيرية، حيث استحوذت على اهتمام الرأي المحلي والإقليمي، وأثارت صخبا إعلاميا كبيرا طيلة الستة أشهر الأخيرة.
تعرف الحركة نفسها بأنها “تجربة سياسية غير مسبوقة”، تهدف إلى كسر النموذج الشمولي والراديكالي القديم للبوليساريو، وتزرع في المجتمع الصحراوي ثقافة التنوع السياسي والتعددية الحزبية “، ويشير بيانها التأسيسي على أنها “تطمح الى تمثيل كافة الآراء والحساسيات التي تعبر عن مختلف مكونات المجتمع الصحراوي، خاصة تلك التي لا تجد نفسها ممثلة في مواقف وممارسات البوليساريو، ومشاريعها السياسية أو منطلقاتها وخلفيانها الايديولوجية”.
وبحسب البيانات الصادرة عنها فالحركة تضم طيفا واسعا من الصحراويين، كوادر مدنية وعسكرية تنتمي إلى البوليساريو، دبلوماسيون سابقين، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من النشطاء السياسيين والحقوقيين والباحثين وطلاب الجامعات.
وفي ما تعتبر نفسها بمثابة “الأمل الجديد الذي ينبعث في نفوس الصحراويين”، تؤكد “صحراويون من أجل السلام” على رهانها على “الحلول السلمية”، وطموحها لاحتلال “مكانتها المستحقة كمرجع سياسي جديد يسعى الى التوصل الى حل سياسي عادل متوافق عليه، من شأنه أن ينهي مشكل الصحراء الغربية”،
وتعتبر“صحراويون من أجل السلام”، أن نزاع الصحراء الغربية الذي “لا تزال عملية السلام رهينة له، يقف عقبة دون تحقيق اندماج وتنمية شعوب المغرب الكبير”، في حين ترى أن “الحل السياسي المتوافق عليه لمشكل الصحراء الغربية”، سيفتح الباب على مصراعيه أمام مستقبل أفضل للصحراويين ولبقية شعوب ومجتمعات المنطقة المغاربية.
فبحسب بيانها التأسيسي، فإن تسوية النزاع تعد “ضرورة تاريخية، من شأنها أن تفتح المجال لدخول مرحلة جديدة من التقدم والازدهار، لكنها تؤكد على معالجة مخلفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وإطلاق سراح المعتقلين الصحراويين.
قياسا لبرنامج العمل الذي أعلنا عنه في بياننا التأسيسي، أظن أننا وفقنا في الوفاء بكافة الالتزامات التي تعهدنا بها، ونجحنا في اجتياز مرحلتنا التأسيسية، فرغم حملات التخوين والشيطنة الكبيرة التي تعرضنا لها، فقد دشنا حملة تعريف واسعة بالحركة في الاعلام المحلي والدولي، وعقدنا عديد اللقاءات الصحفية مع كبريات الصحف والوكالات، نظمنا حملات تحسيس وتأطير واسعة، في كافة أماكن تواجدات الصحراويين بداخل الاقليم وبالخارج، فضلا عن مراسلتنا للجهات والأطراف المعنية بنزاع الصحراء الغربية، وتنزيل هياكل الحركة التنظيمية وتعبئة وتأطير الأعداد الغفيرة من الصحراويين الذين عبروا عن رغبتهم في الانخراط فيها، قبل أن نتوج المرحلة التأسيسية بتنظيم المؤتمرات الفرعية والمؤتمر العام، ببساطة لقد حققنا زخما سياسيا معتبرا، وساهمنا في تحريك المياه الراكدة للنزاع بما يخدم المساعي الرامية الى حله مستقبلا. بالرغم من التحديات الهائلة التي واجهتنا، أقلها الظروف الخاصة التي ظهرت فيها الحركة والتي تميزت بانتشار جائحة كورونا والاجراءات الاحترازية التي رافقتها، الى جانب مختلف أشكال التهجمات التي طالتنا، لقد كان رهاننا على زرع ثقافة الديمقراطية في المجتمع الصحراوي وتكريس ثقافة التعددية السياسية، من خلال التمرن والتمرس على المشاركة السياسية، بما يؤسس لبناء مجتمع حضاري وديمقراطي، بعيدا عن تأثيرات التخلف من تمييز وإقصاء.
في اعتقادي من الطبيعي في أي تنظيم سياسي يتبنى قيم الديمقراطية ويحاول تكريسها، أن يحتضن توجهات وآراء مختلفة، لقدنا شهدنا اعتراضات على بعض المخرجات، وتصويتا بالرفض وتحفظا أيضا، وهو أمر طبيعي وصحي في أي تنظيم سياسي. منذ الاعلان عن بياننا التأسيسي، صرحنا بتبنينا للخيار الديمقراطي، وبترحيبنا بكافة الآراء والتوجهات والتيارات السياسية المعبر عنها في المجتمع الصحراوي. فنحن لسنا تنظيما ستالينيا حتى نفرض نمطا وحيدا من التفكير والممارسة السياسية.
الآراء الرافضة لمخرجات المؤتمر لا تزال مرحب بها في الحركة، وسنسعى الى بلورة آليات لمعالجة كل الاعتراضات في داخل هياكل الحركة في المستقبل القريب، كما سنناضل لأجل تكريس الممارسة الديمقراطية التي تتعايش داخلها مختلف التوجهات.
لتقييم التجارب السياسية الصحراوية، لا بد من الأخذ بعين الاعتبرا الظروف الخاصة التي طبعت إقليم الصحراء الغربية طيلة النصف قرن الأخير، أو حتى ما قبل ذلك، فالاقليم حديث عهد بالتمدن وبالتالي بالممارسة السياسية، والاستعمار الاسباني حكم الاقليم من خلال نمط شمولي فاشستي كان قد انتهجه الدكتاتورفرانشيسكو فرنكو منذ الحرب الاسبانية، وحتى مع ظهور البوليساريو بداية سبعينيات القرن الماضي، فقد كرست نفس النمط الستاليني حيث فرضت نظام الحزب الواحد على الصحراويين الخاضعين لسلطتها مستعينة بآلة دعائية ضخمة وبخطاب حماسي يستهدف العواطف قبل أي شيء آخر، دون أن تتمكن من التأقلم مع متطلبات العصر.
في هذا السياق جاءت “صحراويون من أجل السلام” نتيجة فشل محاولات سابقة للاصلاح والتغيير داخل البوليساريو، وبالتالي فالحركة كإطار سياسي جديد تقطع مع كل تلك التجارب والممارسات الاستبدادية والاستئصالية التي انتهجتها البوليساريو والتي عمقت من معاناة الصحراويين وكرست مأساتهم.
أظن أن أي متابع لتطورات الملف، لن يختلف معنا في كون النزاع يشهد تراجعا كبيرا على مستوى الحضور الاعلامي والسياسي، لا سيما في أروقة المنظمات والهيئات الدولية، فكما هو معروف فقد شارك في المساعي الرامية الى حله أكثر من ستة أمناء عامين للأمم المتحدة، الى جانب العشرات من الوسطاء الدوليين، اصطدموا جميعا بتعقيدات وصعوبات الملف، وباءت جهودهم بالفشل، فضلا عن عديد المنظمات الدولية الأخرى التي لاقت تدخلاتها نفس المصير.
في النهاية الضحية هم الصحراويون بالدرجة الأولى الذين لا يزالون يدفعون ثمن التبعات المهولة لهذا النزاع الذي عمر أكثر من اللازم، حيث تعيش فئات عريضة منهم على وقع واللجوء والشتات والهشاشة الاجتماعية.
بالنظر الى الجمود والركود اللذين لا يزال نزاع الصحراء الغربية حبيسا لهما، فقد اعتمدنا رؤية سياسية مختلفة عن ما هو موجود في الساحة السياسية، فمن السهولة بمكان رصد حالة تباعد وجهات النظر المعبر عنها من أطراف النزاع، فضلا عن الاستقطاب الاقليمي والدولي الذي يلقي بظلاله على مواقف المتدخلين في الملف. من هنا كان لابد للحركة من الخروج بطرح سياسي جديد ومختلف.
بالنسبة لنا فالحل السياسي ينبغي أن يكون سلميا وواقعيا، يأخذ بعين الإعتبار حقوق ومصالح الأطراف جميعا، لكنه يستحضر أيض الاهتمامات المعبر عنها من طرف الصحراويين أنفسهم، خاصة حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويضمن للصحراويين وجود كيان سياسي ديمقراطي، تحدد تفاصيله القانونية والدستورية بصفة تشاركية، يساهم من خلالها كافة المتدخلين في صياغة مخرجاتها، وفي مقدمتهم المغرب بصفته يتواجد في القسم الأكبر من الإقليم، الى جانب ممثلي المجتمع الصحراوي بصفته المعني المباشر بالنزاع طبعا.
لا يخفى عليك التأثيرات الخطيرة لنصف قرن من الحروب والاستقطاب السياسي، لقد واجهنا تبعات الخطاب الدعائي التحريضي الذي أثر في فئات واسعة من الصحراويين، لا سيما المنتمين لفئة الشباب منهم، لكننا تمكنا من بلورة وتطوير خطاب سياسي متزن، يخاطب العقول قبل القلوب، ويجيب عن كافة الاهتمامات المعبر عنها من طرف الصحراويين. إن زمن الدعاية والبروباغاند قد ولَّى إلى غير رجعة. اليوم المجتمع الصحراوي يزخر بالكفاءات والأطر والمثقفين، الذي كانوا يبحثون عن طرح عقلاني يعالج الاشكالات التي يعيش على وقعها الاقليم، بدل توظيف الشعارات والمزايدات. لقد مل الشباب الخطابات الحماسية التي لا تغني ولا تسمن جوع، وباتوا يبحثون عن خطاب عقلاني يستجيب لتطلعاتهم، وهو ما جسدته “صحراويون من أجل السلام” بالنسبة للكثير منهم.
أظن أنه آن الأوان للنخب في أطراف النزاع وفي كافة البلدان المغاربية أن تأخذ بزمام المبادرة. فمن العار أن يقف المجتمع المدني في بلدان المنطقة مكتوف الأيدي أمام هذه المأساة التي يعيشها اللاجئون الصحراويون في مخيمات مثلا. علينا أيضا أن نتجاوزعقد الماضي، وأن نفتح صفحة جديدة نكرس من خلالها لعهد الحرية والكرامة للصحراويين ولكافة مجتمعات المنطقة.
اليوم المجتمع المدني والنخب السياسية مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالانخراط في كافة الجهود الرامية الى حل الخلافات السياسية التي لم يعد هناك أي مصوغ لاستمرارها، والتي تكبد بلدان المنطقة خسائر وتداعيات اقتصادية لا مجال لحصرها، في هذا السياق تحديدا ظهرت “صحراويون من أجل السلام” لتمد يدها لكافة الشركاء الرسميين والمدنيين، الذين ننتظر تفهمهم ودعمهم لطرحنا العقلاني الطموح والجاد، والذي يروم تحقيق مستقبل أفضل للصحراويين ولشعوب ومجتمعات المنطقة جميعا.