تعرف منطقة الساحل و الصحراء حالة من عدم الاستقرار او استقرار متقطع منذ جلاء المستعمر اواسط القرن العشرين الى يومنا هذا . و تمتد منطقة الصحراء بشمال افريقيا في مجال جغرافي كبير يشمل اقطارا من تشاد شرقا مروراً بشمال النيجر و جنوب ليبيا و الجزائر حتى واديان درعة و نون و الساقية عرضا باتجاه شنقيط و ازواد غربا ، و لأسباب ذات صلة بمصالح استراتيجية و ضمان موارد طاقية و سيطرة، تُركت الحدود بدون ترسيم حيث تم العبث بالنسيج الاثنولوجي و الاجتماعي في منطقة الساحل و الصحراء على يد المستعمر خاصة و بالدرجة الاولى الفرنسي ، لتُسند هاته الاخيرة امر ” التدبير المفوض ” امنيا و استخباراتيا لوريثها النظام الجزائري ، هذا الاخير و لطبيعة الجنوب الجزائري انثروبولوجيا و انثروجغرافيا و ارتباطه ارتباطا تاريخيا بشمالي مالي و شمال غربي النيجر عمل طيلة عقود على حماية سيادة دولتي مالي و النيجر على صحاريهن ، بينما الامر يختلف تماما في شأن اقليم الصحراء التي تربطه بالجزائر روابط اقل متانة بكثير من تلك الروابط التي تجمع ما بين الجنوب الجزائري و ازواد .
فلماذا تدعم الجزائر اقامة دولة في إقليم الصحراء و ترفض الحل ذاته في ازواد ؟ و لماذا ترفض الجزائر حلا توافقيا كالحكم الذاتي في إقليم الصحراء و تفرض آخر توافقيا في ازواد ؟
لن ينسى الازاوديون عربا و طوارق ما تعرضو له منذ سنة 1962 في اول ثورة لهم تعبيراً عن رغبتهم في انشاء كيان مستقل بهم عن مالي ، و توالت بهم الثورات و ما نتج عنها من نزوح الى الشمال تجاه الجزائر حيث الامتداد العرقي للعرب و الطوارق في مدن البرج باجي المختار و تامنراست و بشار و تيندوف ، هنا فرضت الجزائر نفسها وسيطاً عبر مجموعة من الاتفاقيات تمنح الازواديين وضعا سياسيا خاصا داخل دولة مالي ، الى الشمال الغربي ظهرت بداية سبعينيات القرن الماضي حركة تناهض التواجد الاسباني تدعى جبهة تحرير الساقية الحمراء و واد الذهب حيث تبناها بداية نظام القذافي الناقم على الملكية في المغرب و الداعي الى دعم الحركات الثورية و هذا ما حذى بالجزائر الى التدخل عبر مؤتمر عين بنتيلي في 12 اكتوبر سنة 1975 حيث تغيرت دفة السفينة باتجاه المجهول …
لدى الصحرائين قواسم مشتركة جغرافيا و اثنوغرافيا و تراثيا ، وحدة اللهجة جزئيا و تشابه كبير في الملبس و انماط العيش و مصادره و اساليب الترحال ، لذلك يتسائل المحلل السياسي و الباحث المحايد عن دواع اختلاف طرق التدخل المباشرة و غير المباشرة للجزائر في الاقليمين ، و عن الغايات المعلنة و المبطنة من وراء صنوف الدعم هنا و هنالك ، ان كانت الجزائر ترافع قاريا و دوليا عن احقية الشعوب في تقرير مصيرها و استقلال الاقاليم ” غير المتمتعة بالاستقلال ” حسب شعارها المعلن ” فما الفرق بين اقليم ازواد و اقليم الصحراء ؟
يدعم النظام الجزائري و لا زال جبهة البوليساريو دعما منقطع النظير عسكريا و ماديا و معنويا .. و تلك ” عقيدة” كافر سياسيا كل من سولت له نفسه مساءلة النظام الجزائري عنها على انعكاساتها على المواطن الجزائري ، حيث منح الارض و السلاح و العتاد و الاعلام و الطائرات المدنية لتأمين تنقل ” ساسة البوليساريو عبر مطار تيندوف باتجاه العاصمة ثم الى العالم ، و يعامل الصحراوي في مخيمات تيندوف على انه ضيف او مواطن مؤقت من درجة خاصة و ليس كلاجئ تقنن وضعيته القوانين الدولية للاجئين ، و لا صوت فوق صوت تقرير المصير و احقية الشعب الصحراوي في اقامة دولة على ارض اقليم الصحراء ، اذ هو مطلب جزائري اكثر مما هو حق للصحراويين اضحى .. اما عن جبهة تحرير ازواد او الحركات الازوادية فللجزائر أساليب اخرى في التعامل معها و مع مطالبها ، فلا يوجد صوت جزائري يدافع عن حق الشعب الازوادي في تقرير مصيره و لا اتفاقية في الشأن تنعت مالي بالمستعمر او المحتل و لا ارضا منحتها الجزائر للنازحين شمالاً لتكون مخيمات “العزة و الكرامة “و لا تبون في الجمعية العامة للامم المتحدة يطالب بالدفاع أممياً عن حق الشعب الازوادي في تقرير مصيره .. بل تم تجنيس آلاف النازحين الازواديين طوال عقود و ادماجهم مع ابناء عمومتهم من اصلابهم في مدن الجنوب الغنية نفطاً و غازاً و ذهبا و الفقيرة بنية تحتية و تنمية و حكامة جيدة ، فقد فرض على الحركات الازوادية الائتلاف في ثوب سياسي واحد و القبول بتسوية تحت السيادة المالية ، فهل لحرب الرمال مع المغرب في ستينيات القرن الماضي علاقة بدعم الجزائر للبوليساريو و ان مالي دولة شقيقة للجزائر بتاريخ و هوية و اعراق مشتركة ؟ و ايهما امتن روابط تاريخية ، هل ازواد بباماكو ؟ام فاس و مراكش و الرباط باقليم الصحراء ؟
المنطق التاريخي و الجغرافي و العرقي و التراثي دون استحضار المرجعية الاممية و المقاربات التي تحدد آليات معالجة المشكل في الاقليمين هي عوامل تفرض نفسها كرابط يقرب بين المغرب مع قبائل صحراوية اكثر مما يقرب بين عرب و عجم ازواد بمالي ، فالاولى مملكة لقرون تمتد و تتقلص لقوة او لوهن ، و الثانية كانت تحت سيادة امارات السونغاي و التماشق و البرابيش و كلها اتخذت من تمبكتو عاصمة لحكمها لقرون … بالتالي اليس حريا بالجزائر التي تدافع عن ” شرعية الشعوب ” في تقرير مصيرها و احقيتها في التحرر و إيلاء الاهمية القصوى و الدعم للازواديين بدلا من الصحراويين ؟
الجواب واضح وضوح الشمس في كبد سماء تمبكتو أو تمنراست ، فالجزائر تعرف على ان المجال الجغرافي تاريخيا لأزواد لا ينحصر فقط في حدود القطر المالي حاليا من تاودني و تمبكتو الى غاو و كيدال ، بل يتعداه الى كل الاراضي الشاسعة جنوب غربي الجزائر و هذا يمس من سيادتها على ارضها و يمس مصالحها و ثرواتها و وحدتها ، اما عن اقليم الصحراء فلا خوف عليه من اقامة كيان صحراوي مستقل بذاته ” و لن يكون ابداً و لو تحقق له ذلك ، فلا يوجد نظام في العالم يبني علاقته حباً في سواد عيون احد ، و من يصدق بذلك فهو بطل من شخصيات اخبار الحمقى و المغفلين لإبن القيم …
نحن في حركة صحراويون من اجل السلام لسنا بصدد رفع شعار السلام على حساب شيطنة طرف ما ، و لسنا اخياراً و غيرنا اشرار ، نحن دعاة للسلم عبر الحوار و فتح قنوات التواصل و الاتصال بين كافة اطراف قضية الصحراء دفاعاً عن مكتسبات السلم و حقوق الانسان الصحراوي و موروثه و ارثه و ثروته و صون كرامته مع الحفاظ على مصالح كافة الفرقاء وفق استراتيجية تشاركية لإيجاد حل سلمي و توافقي و واقعي و دائم ينهي صراعاً طال أمده.
محمد فاضل بقادة
رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية لحركة صحراويون من اجل السلام