لا يستطيع مهتم او معني بقضية الصحراء اخفاء الصعوبات التي تعتري مسارها التاريخي و العقبات امام ايجاد حل نهائي لفض نزاع معقد ، قبل الخوض في آليات المساهمة في حل المشكل لا بد من تشخيص دقيق للوضع بصفة عامة ، هنا في هذا المقال سنكتفي بتشخيص الواقع الحالي لأن الرجوع الى الماضي سيجرنا الى مناطق ملغومة بأخطاء انظمة سابقة لا وجود لها حاليا و ممارسات تحت غطاء سيادي و اخرى من طرف جماعات و افراد ، و هذا لن يسعفنا في طريقنا لتشخيص عقلاني بل و سيزيد الطين بلة و يعمق النقاش الى ما لا يفيد اي طرف من اطراف النزاع و الداعمين لهم .
لقد تغير العالم سياسيا و ايديولوجيا و تغيرت لغة الساسة معها و برزت محددات حديثة دفاعا عن المصالح و السعي لكسب أحلاف تحقق ارباحاً و مغانم اقتصادية للدول العظمى المتحكمة في مصائر الأمم و الشعوب استحضاراً منها لمنطق المصلحة و الربح و النفوذ و ليس لمنطق الحق والمشروعية ، فالمشروعية في عالم العلاقات الدولية مبني خاصة في عصرنا الراهن على من يمتلك القرار و من والاهم ، لذلك وجب على ساكنة ” العالم الثالث ” التحلي بالمرونة و الواقعية و قد رحم الله امرءا عرف قدر نفسه فجلس دونه.
و اسقاطا لما سبق اعلاه على مسار قضية الصحراء ، سنحاول استجلاب الواقعية و خلع لثام العاطفة لأننا كصحراويين لم نعد لوحدنا المعني بالقضية ، فمصير الصحراء اضحت ترتبط به مصائر انظمة و اصبح اي قرار دولي في شأنها مؤثراً في بعده الاستراتيجي و الامني و الاقتصادي و السياسي للاتحاد الاروربي و افريقيا و الوطن العربي و الولايات المتحدة الامريكية من جهة ، و من جهة اخرى مؤثرا على تمدد مصالح و قوى المعسكر الصيني الروسي الطامح للتوغل اقتصاديا و عسكريا في شمال و غرب افريقيا . و هذا ما يفسر تدخل الولايات المتحدة الامريكية ديبلوماسيا بشكلٍ مباشر في الوساطة بين اطراف النزاع ، واشنطن نظام يعرف جيداً العزف على وتر المصلحة و لن يضحي بصداقة ثنائية احداها الجزائر الغنية بالموارد النفطية و الغازية و الشاسعة المساحة بما تقدمه استراتيجيا للمصالح امريكا لحدودها المشتركة مع النيجر و مالي و ليبيا الغنية بالمعادن و المتوترة امنيا و غير المستقر سياسيا ، و صداقة اخرى مع المغرب اول معترف بالولايات المتحدة الاميركية و المملكة ذات العمق التاريخي و الاهمية الاستراتيجية لقربها من اوروبا و ممرا آمنا للعمق الامريكي في غرب افريقيا و بعداً استراتيجيا للامن القومي الامريكي ، بالتالي فإن حل قضية الصحراء لن يأتي لصالح أحد على حساب مصالح بلاد العم سام، فالبت في نازلة الصحراء سيخضع لمسطرة تكييف المصالح فقط، بالتالي تقتضي الحكمة من الصحراويين اعمال الذكاء السياسي بدلاً من لغة المشاعر و اللعب دور الضحية و الانتقال الى مضمار اللعبة السياسية كلاعب لا ملعوب به .
عرّف هنري كيسنجر قيدوم السياسة و عميد الديبلوماسية الامريكية ، الديبلوماسية انها فن تقييد القوة. فالتاريخ المعاصر للعلاقات الدولية و خاصة في ما يتعلق بمعالجة الازمات و الصراعات الاقليمية او الثنائية يثبت على ان الولايات المتحدة الامريكية لا تتدخل عسكريا او ديبلوماسيا او اقتصاديا او امنيا الا اذا كان تدخلها ذو بعد استراتيجي و من شأنه خدمة اجنداتها المستقبلية آنيًا و لاحقاً ، لذلك تواجد نائب وزير خارجيتها جوشوا هاريس بالعاصمة الجزائر للتباحث مع النظام الجزائري كطرف رئيسي في النزاع حول الصحراء سبل تنزيل حل عاجل ، و بعدها سيلتحق بالرباط و سيجري نفس المحادثات مع المغرب لارتباطها بشكل مباشر بالنزاع .
في لقاء نشره الموقع الرسمي لسفارة الولايات المتحدة الاميركية بالجزائر اجرته احدى المنابر الاعلامية مع جوشوا هاريس في التاسع من ديسمبر سنة 2023 عبر بشكل صريح على اهمية الشراكة مع الجزائر و على الامر ذاته مع المغرب و اعتبر ان خطة السلام تحت الغطاء الاممي السبيل الامثل لحل نزاع الصحراء من اجل تجنب بؤرة توتر عسكرية تهدد مصالح الجميع و امنهم . كما اثنى من خلال أجوبته على مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب دون الاجابة او التفاعل مع سؤال طرحه الصحفي الجزائري حول كيف ترى الولايات المتحدة الامريكية “احتلال المغرب للصحراء الغربية “(حسب ما نشر في موقع السفارة اعلاه )، و هذا له دلالتان ، الاولى تتجلى في ان صيغة السؤال معدة سلفاً من النظام الجزائري و الاجابة معروفة من طرف ممثل الديبلوماسية الامريكية في هذا الشأن و ان في الامر رسالة موجهة لقيادة البوليساريو تمهيدا لأمر مستجد على الساحة ، و الدلالة الثانية تتمثل في الاشارة الى توجه جديد لمسار قضية النزاع موجهة للرأي العام الدولي خاصة الامم المتحدة و مجلس الامن التابع لها و للقوى الدولية المهتمة بهذا النزاع .
في نهاية هذا المقال سنطرح عدة تساؤلات ذات الاهمية بمكان تاركين للقارئ و الزمن التطرق لها بالاجابة و التحليل ، هل تمتلك قيادة البوليساريو القرار في قضية الصحراء بعيداً عن تأثير جزائري ؟ ما الذي تعنيه زيارة هاريس للجزائر ثم الرباط و عدم التوجه صوب مخيمات لحمادة للقاء من يفترض انها قيادة شعب و معنية بالقضية الصحراوية و لها مؤسسات ديبلوماسية و امنية ؟ ما رد فعل جبهة البوليساريو في حال قبول او فرض تسوية حصدت اجماعا دوليا بما فيه الجزائر في اطار الحكم الذاتي ؟ هل تستطيع حركة صحراويون من اجل السلام فرض ذاتها كطرف معترف به في النزاع ؟ و الى اي حد سيستجيب المجتمع الدولي لمقترح الحركة عبر خارطة الطريق التي عرضتها الحركة من خلال مسودة من 54 بنداً كحل للنزاع ؟
بقادة محمد فاضل / رئيس مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية بحركة صحراويون من اجل السلام.