إقليم الصحراء امتداد لصحراء كبرى تمثل كبد القارة الافريقية ، كما انها امتداد جغرافي في غرب القارة فهي امتداد انثروبولوجي و تراثي و تاريخي لمجال ترابي تتشابه تضاريسه و انماط العيش فيه و بنيات المجتمعات الصحراوية بمفهومها الشامل الشاسع شساعة الارض بمكونه الحساني العربي و الصنهاجي الامازيغي و التماشقي الطوارقي و البمباري و السنوغي و غيره من اعراق و اصول تختلف نسبا و تتحد في اسلوب عيشها و ترحالها ، و تتحد في مصائرها بما كسبت ايديها و ما تركته بصمات الاستعمار كمستعمرات و حدائق خلفية لتجاربها و مورد غير مشروع لثرائها .
منذ بدايته حتى منتصف القرن التاسع عشر قدمت طلعات استكشافية اوروبية لأهداف مبينة منها التجاري و الاكاديمي و باطنها استعماري ، فكانت لهؤلاء المستكشفين مذكرات اضحت في وقت لاحق مراجع لتاريخ مجال جغرافي انهمك اهل الحل و العقد فيه بتمجيد ذواتها و انسابها و الاقتتال في ما بينها على حساب خلق كيان يوحدها و عقد اجتماعي يجمعها ، هي الصحراء الكبرى الغنية بمواردها الباطنية كغنى ارض مصر بفومها و عدسها و بصلها ، لكننا استبدلنا الذي ادنى بالذي هو خير ، فمكَّنّا غيرنا من مقاليد الحكم لأننا لا نجيد الا الاحتكام الى مرجعية القبيلة للبت في شؤون سياستنا و اقتصادنا .
اننا نتشابه كثيراً و هذا ما توصل اليه منذ عقود او اكثر من قرنٍ الكيان الكولونيالي و يجمعنا ما يذوب جليد التفرقة ، وحدة المذهب و ليس الدين فقط ، فتجد حواضر اغدز شمال غربي النيجر الى تمبكتو ثم وادان و الى الساقية مرورا بتيندوف و بشار وصولا الى واد نون يتشابه المصلون في طرق اداء الصلوات و يلبسون الدراعة و يحتسون الشاي و تتشابه لجهتهم الحسانية مع اختلافات طفيفة بفعل مؤثرات المحيط و عوامل الزمن ، و بالرغم مما يوحدها فإن الايادي الخفية لا زالت تعبث في النسيج المجتمعي ” للبيظان ” لتكريس الفرقة و الكراهية و التخوين و العنصرية و القبلية .
لا يمكن لدارس علم السياسة و العلاقات الدولية و الباحث في شؤونهما الاعتماد على الوضع القائم كمرجعية دونما استدعاء لنوستالجيا المجال الترابي و سلوك المجتمعات و تطور احوالها، بالتالي فإن ما يقع حاليا في النيجر لا يجب الاستهانة به و نحن الذين نبعد عن نيامي بحوالي سبعة آلاف كيلومتر ، فكل تلك الاحداث المتسارعة و مآلاتها و منتهاها ستجد لها صدى على قضيتنا التي لا زالت معلقة حتى يتسنى لكبار اللاعبين فيها تقرير مصيرنا ، و عن تقرير المصير الذي تنادي به جبهة البوليساريو التي لا تملك قرار نفسها حتى تدافع عن تقرير مصير مجموعة بشرية مختلطة بين من هُجّروا من اجل تحقيق حلم و بين من تم توطينهم بالمخيمات.
على مجتمعنا الصحراوي استنباط العبر من تجارب الكيانات الاجتماعية القائمة على القبيلة او المذهب او الدين لتأسيس كيان سياسي حاكم ، لأن مصيره الفشل و الدمار و العرضة للتبني لتنتقل الولاية الشرعية عليه لطرف يرى فيه مصلحة دولة ضداً في دولة اخرى و وسيلة للانتقام ، هكذا أريد لكيان جبهة البوليساريو و هذا مصيرها فقد تم تقريره في مؤتمر عين بنتيلي سنة 1975 و اضحت رهينة حسابات بعيدة كل البعد عن مصالح و حقوق الصحراويين.
لقد تأكد للمنتظم الدولي اهمية لغة السلم و سموها على لغة الحرب ، فالحرب قديما كانت لتؤثر سلبا على دائرة الحرب من بلاد و عباد ، لكن حروب اليوم بفعل ترابط المصالح و تشابكها لظهور عولمة السوق و الابعاد الجيواستراتيجية لنقاط التوتر و النزاع اضحت خسارة للفائز و المنهزم و للحلفاء و الداعمين ، فكما يرى الجميع ان حربا مشتعلة في اوكرانيا لم تضع بعد اوزارها و كبدت العالم خسائر فادحة ، فإن اطرافها المباشرين يرغبون في انهاءها بشروط ، فما الداعي من قيامها اصلاً !
إن حركة صحراويون من اجل السلام من خلال خطابها الذي القاه السكرتير الاول للحركة في ” ملكى اهل الصحراء” في الندوة الدولية للسلم و الامن بلاس بالماس في 23 سبتمبر سنة 2022 حركت مياه الوضع القائم الراكدة و قررت مصيرها باتخاذ السلم وسيلة و الامن غاية و الاستقرار و الانماء اهدافا لمشروعها السياسي الذي يتميز بالمرونة و القابلية للتنزيل و المصداقية و المشروعية للنقاش مجتمعي واسع و شامل لإنهاء نزاع طال امده و آن له ان ينتهي.
بقادة محمد فاضل / رئيس مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية بحركة صحراويون من اجل السلام .