تتهيأ حركة صحراويون من أجل السلام لتنظيم النسخة الثالثة من “ملكى اهل الصحرا ” و ذلك بتاريخ 27 فبراير 2025 بجزر الكاناري، اذ سيكون كل معني من قريب او من بعيد بقضية الصحراء على موعد مع ندوة السلم و الحوار ، و التي ستعرف حضورا متنوعا من كافة التمثيليات التقليدية و السياسية و كذا الشخصيات الدولية ، فالحركة تعكف على استدعاء الجميع المعنيين بنزاع الصحراء ، و أبرزهم السلطة التقليدية للمجتمع الصحراوي المتمثلة في مؤسسة شيوخ قبائل الصحراء، بالإضافة إلى فعاليات من المجتمع السياسي و المدني .
فما هو تأثير الظرف السياسي و الاستراتيجي حاليا على وضع الحركة ؟ و ما المنجزات التي حققتها الحركة خلال السنوات الخامس الجارية منذ تأسيسها ؟ و ما هي التحديات و الرهانات امام مشروع حركة صحراويون من اجل السلام على ضوء ندوة السلم و الحوار القادمة ؟
تعرف الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في معظم البلدان العربية و الأفريقية تغييرا جوهريا مس احيانا من الخارطة الجغرافية و الجيوسياسية لبعض الدول ، قلبا لأنظمة بالكامل في بعضها الاخر ، و حروبا دامية و لا زالت لم تضع أوزارها بعض منها ، و حراكا اجتماعيا في اخرى .. بينما القضية التي تعنينا نحن كصحراويين ، لا زالت وضعيتها جامدة إلى حد كبير منذ نصف قرن ، تحرك مياهها بين الفينة و الأخرى طبيعة العلاقات التي تربط قطبي الصراع المملكة المغربية و الجزائر، و ما يربطها بحلفائهما و مدى عمق المصالح المشتركة استراتيجيا و امنيا .. و هنا يتموقع الصحراويون بين مطرقة طبيعة المشاريع السياسية المزمع تنزيلها في الاقليم ، و سندان الشتات الاجتماعي و النفسي و الذهني و الضياع بالتالي للذاكرة الجمعية أمامه الصحراء ..
و من رحم تلك المعانات ، ولدت حركة صحراويون من اجل السلام ، على يد من كانوا اكثر المناضلين شراسة بمشروع جبهة البوليساريو، سياسيون و عسكريون و مدنيون منحوا عقودا من الجهد المضني في سبيل مشروع أشبه إلى السراب ،و هذا ما اكسب هاته النخبة المخضرمة الخبرة و الكافية لقراءة المشهد و تشكيل الصورة تامة الملامح صوب مشروع واقعي و منطقي تنزيله في الساقية الحمراء و وادي الذهب موطن النزاع، لكن مشروع الحركة واجه ظروفا سياسية و استراتيجية داخليا و محليا و دوليا، و ابرزها التموقع في حلبة النزاع و القدرة على جذب تعاطف الصحراويين شرق و غرب الجدار ، و هم الذين فقدوا الثقة في كل من يتقدم اليهم بمشروع سياسي مهما كان سقفه و مرجعيته ، فقد اصابت غالبية الصحراويين فوبيا من الخطاب السياسي لأي مشروع لنزاع الصحراء ، و هذا منطقي الحدوث ، لهذا فالتعبئة التي سعت اليها الحركة منذ تأسيسها لاقت صعوبات جمة ، إلا ان نتاجها بدأ يلوح في الافق خاصة في ظل تدني ثقة الكثيرين من صحراويي المخيمات و الشتات في صدق مشروع جبهة البوليساريو و أهليتها في تنصيب نفسها الممثل الوحيد للصحراويين ، بالمقابل ايضا انتظارات صحراويي الداخل و مراهنتهم على مشروع حركة صحراويين من اجل السلام بمثابة وميض ضوء الأمل للخروج من نفق الضبابية بمستقبل الاقليم ، فالحركة أتت بمشروع سياسي منبثق من راهنية الظرف و مدى منطقية تنزيله و مراعات مصالح الجميع مع استحضار الشرعية و المشروعية ، و قد قدمت الحركة على لسان سكرتيرها الاول السيد الحاج احمد بارك الله في اكتوبر من سنة 2023 في النسخة الثانية من ندوة السلم الحوار بداكار ، خارطة الطريق نحو الحل النهائي سياسيا و اجتماعياً و اقتصاديا لنزاع الصحراء ، اذ تأخذ الحركة من خلاله بعين الاعتبار الحقوق التاريخية و التراثية و التقليدية لأهالي الصحراء ساكنة الساقية و الوادي ، و لعل اكبر دليل على ذلك الحضور الوازن لشيوخ قبائل في ندوة داكار و التأبين الروحاني الذي حضرته هاته المؤسسة التقليدية العرفية قبل ايام لروح احدى رجالاتها و احد مناضلي حركة صحراويون من اجل السلام المرحوم بإذن الله تعالى احمد ولد اكماش ، و هو ما يعزز ثقة هاته المؤسسة في مشروع الحركة و كسب ثقة كافة الصحراويين بالتالي .
و لعل ابرز ما يميز المسار الذي نهجته حركة صحراويون من اجل في سبيل تموقعها كطرف اساسي في نزاع الصحراء، هو سلمية الخطاب و واقعية التنزيل و شفافية اللغة ، و هو ما مكنها خلال سنوات من تحقيق ما عجزت عنها غيرها طيلة عقود ، و من بين لك المنجزات و ابرزها هو الترخيص للحركة من طرف السلطات الإسبانية مجمعية مدافعة عن الحقوق و الحريات ، بالإضافة إلى الانضمام إلى الأممية الاشتراكية ، و هو ما سيمكنها من تبوء مقاعد رسمية في اروقة دولية و قارية لإسماع صوتها و نشر فكرها و روح غايتها التي تنبثق اساسا من حل يراعي اولا الحقوق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للصحراوي الساقية الحمراء و و اي الذهب .. إلا ان الطريق نحو الحل محفوفة بالمخاطر و الاقليم دخل في حسابات معقدة يستجوب من الحركة استحضارها و الاستعداد لها ..
لا شك في ان ايجاد حل واقعي و مقبول لدى جميع اطراف نزاع الصحراء في المدى القريب اشبه بولوج جمل في سم الخياط ،إلا ان الأمر ليس بالمستحيل إذا تظافرت الجهود أمميا و دوليا و قاريا و محليا ، فالحركة اتت بفلسفة سياسية حديثة اساسها دمقرطة حريات التعبير و التغاضي عن عنتريات الثورة و القبلية و العصبية و العنف ، فلا توجد منطقة في إفريقيا لا تمتلك ذاكرة أليمة من الحروب و الإقصاء و التهجير ، إلا ان الحلول اتت بمنطق طي الماضي و كسر هيمنة الرغبة في الانتقام و تغليب روح التسامح و الحوار و السلم ، و هذا ما تناضل من اجله حركة صحراويون من اجل السلام لجعله لغة القادم من مسارات المفاوضات ، و لما تكون مفاوضات صحراوية صحراوية ؟ فمهما اختلفت الخلفية السياسية لأطرفين ، فالمرجعية التاريخية التي تربطهما اقدم بقرون من مشروع مرجعيته ولدت في ستينيات القرن الذي مضى ..
بقلم:
محمد فاظل بقادة
رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية لحركة صحراويون من أجل السلام.