بقلم: الحاج احمد
لا يزال قرار الرئيس سانشيز القاضي بتغيير جذري للسياسة الإسبانية فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، يثير ردود أفعال وجدل، ليس فقط على مستوى مجموعة القوى السياسية، ولكن أيضا داخل وسائل الإعلام والوكالات والمصالح القريبة من الحكومة.
وفي هذا السياق، تم إدراج تقرير مزعوم للمركز الوطني للاستخبارات الإسبانية، والذي نسبت إليه صحيفة إسبانية معروفة تقريرا نشر هذا الأسبوع.
ويبدو أن التقرير المذكور ليس تحقيقا استخباراتيا أو تحليلا سيشكل مرجعا للمتخصصين والمراقبين، حيث لا يعدو كونه نسخة لتقارير أجهزة دعاية البوليساريو. فالأمر يتعلق بعملية تجميع في أرشيف الصحف لأسماء وألقاب أشخاص أو منظمات استنكرت أو انتقدت البوليساريو لأسباب مختلفة، بدءا بممارساتها المرتبطة بالاعتقالات والتعذيب وصولا إلى جرائم الإعدام خارج نطاق القضاء، ضف الى ذلك الاعتداءات الجنسية أيضا، غير أن الصحيفة لم تعر اهتماما يذكر لتناسق وصحة الشكاوى المودعة من عدمه.
ويبدو في الواقع أن الجريدة المعنية، من خلال التسريب ارادت أساسا إظهار عدم موافقتها، إسوة بموقف الحزب الشعبي المعارض اتجاه التحول المفاجئ لسياسة إسبانيا المتعلقة بالصحراء الغربية والتي أعلنها الرئيس بيدرو سانشيز، حيث تم تقديمها كنتيجة لضغوط مورست من قبل المغرب وليس انعكاسا لمقاربة جديدة للخروج من الحياد السلبي الذي كانت تنهجه الحكومات السابقة المختلفة. “الغاية كانت تتمثل في ممارسة ضغط على الحكومة الإسبانية لتحقيق تموقع إيجابي في النزاع حول الصحراء الغربية”، تشير الصحيفة.
وفي هذه الاستراتيجية يظهر تطابقا بين وسائل الإعلام والمواقع التي تمولها البوليساريو إضافة الى الصحفيين المتعاطفين، كذلك دوائر معروفة بعدائها الصريح للمغرب.
فالغاية ليست اللا إيقاف قرار بيدرو سانشيز ومنع أي تقدم نحو الحل النهائي المنشود لمعضلة الصحراء الغربية. فمن المدهش حقا، أن تتواجد في السياق الحالي قطاعات محافظة في إسبانيا، غير مرتاحين للموقع الجديد للرئيس سانشيز -وأشك أن المركز الوطني للاستخبارات الإسبانية للقرن 21 من ضمنهم -، لأنهم يفضلون أن يستمر الصحراويون في التصارع مع المغرب وإبقاءه منشغل في الصحراء الغربية، حتى لو أدى الأمر إلى انقراض الصحراويين كالهنود الحمر.
وتضع استراتيجية التضييق والهدم نصب اعينها حركة صحراويون من أجل السلام كذلك، بعد إعلان هذه الأخيرة عن دعمها الجلي للموقف الجديد للحكومة الإسبانية. وفي اختلاف تام لمواقف البوليساريو، قد أشادت الحركة بموقف الحكومة الاشتراكية وشجعتها على الانخراط بشكل أكبر وبذل جهود للبحث عن حل سلمي لصراع مجمد منذ خمسين عاما،
وعلى الرغم من نفي مصادر محسوبة على الجهاز الأستخباراتي الاسباني لما تضمنه التقرير المنسوب اليه، فإنه يتضمن إشارة إلى وجود صلة مزعومة بين حركة صحراويون من أجل السلام وأجهزة الاستخبارات المغربية. وتتخلص الفكرة في تقديم الحركة الصحراوية الجديدة بدون دلائل ملموسة تثبت هذا الزعم على أنها “واجهة للمديرية العامة للدراسات والمستندات”، النسخة المغربية للجهاز الإسباني، العلامة التجارية للمنتوج “صنع في البوليساريو” لا بمكن ان يكون أكثر وضوحا بإخراجه السخيف.
يحاول جاهدا تقرير الجهاز الامني الاسباني المزعوم تركيب مؤامرة بخصوص الناشط الصحراوي الفاضل بريكة الذي قدم شكوى ضد زعيم البوليساريو العام الماضي بعد دخوله مستشفى لوغرونيو. ويلمح المصدر إلى أن الفاضل بريكة كان يتصرف بتعليمات من المديرية العامة للدراسات والمستندات المغربية، بما يشمل ذلك رحلته إلى مخيمات تندوف في يونيو 2019 بغية زيارة والدته والتي كانت “على الأرجح ” بإيعاز من المخابرات المغربية بكيفية تجعله بعد اعتقاله وتعذيبه في تندوف وعند عودته، يقدم شكايات بقادة البوليساريو. غير أنه من الطبيعي ألا تشير الصحيفة والتقرير إلى الاعتقال التعسفي الذي تعرض له الفاضل بريكة بمعية معارضين اخرين وثقت حالتهم منظمة هيومن رايتس ووتش الامريكية ومنظمات أخرى في تقارير متعددة.
فالسيناريو الذي تم نسجه وحبكة القصة، كانا سيكونان جديرين بتمثيلها في مشاهد، لولا السقوط فيما يصطلح عليه خبراء السينما ب”أخطاء الاستمرارية”، والتي تنبئ عن غياب اتساق بين خصائص الأشخاص والأحداث والمؤامرة والأماكن، بالمعنى الذي يبرز وجود صلة بين هذه الوقائع وحركة صحراويون من أجل السلام، لكي نستطيع تلمس روابط مفترضة بين الحركة والأجهزة المغربية، والحال أن الوقائع المشار إليها حدثت قبل عام من إنشاء الحركة الصحراوية الجديدة، والتي لم يتم تأسيسها سوى في 22 أبريل 2020، وتنظيم مؤتمرها التأسيسي بعد ستة أشهر من إعلان ميلادها.
ومهما يكن الأمر، لا يمكن استبعاد أو إنكار إمكانية اختراق حركة صحراويون من اجل السلام، مثل الكثير من المنظمات التي تحوز خبرات ومسارات أكبر، من قبل عملاء أو مخبرين يعملون لحساب الاستخبارات المغربية، أو البوليساريو أو مركز الاستخبارات الوطنية الإسبانية أو موريتانيا أو الجزائر، دون أن يعني ذلك بالضرورة أنها واجهة لأي كان، باستثناء، كونها صوتا لأغلبية متزايدة من الصحراويين الأصليين الذين قرروا وضع حد للمأساة التي يعيشها ويعاني منها الصحراويون منذ العام 1975.
يتضمن التقرير ثغرات وأوجه قصور من الصعب أن تقع فيها مؤسسة محترمة مثل مركز الاستخبارات الوطنية الإسبانية. وبدلا من ذلك، يبدو الأمر كخطأ فادح على نمط شطحات “الدعاية السوداء” المأخوذة من الأدبيات الكوبية التي عادة ما تستلهم أجهزة البوليساريو الأمنية منها. ولا يخفى على أحد رياضة البوليس السياسي لتنظيم البوليساريو المفضلة الا وهي التشهير والافتراء في حق كل من يجرؤ على مخالفة أو انتقاد نموذجها الشمولي وممارساتها القمعية، حيث أنه لا يوجد مكان لمزيد من الناس في تلك المنصة العريضة لـ “الخيانة”. والتي استعرض عليها المئات من الضحايا الصحراويين الذين يعانون من ندوب تعذيب دالة على العصور القروسطية، دون إغفال العشرات من كبار المسؤولين السابقين، بما في ذلك اثنين من مؤسسي الجبهة الخمسة الرئيسيين، أما تاج الكعكة فإنه مكون من دونالد ترامب وبيدرو سانشيث، والرئيسان السابقان فيليبي غونزاليث وخوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو.
إنه الشعار القديم الذي لجأت قيادة البوليساريو الى استخدامه بشكل مفرط للتغطية على التآكل المتسارع لمصداقيتها ولمشروعها السياسي بسبب الأخطاء التي لا تحصى والجرائم البشعة التي ارتكبت في الماضي.
لقد أظهر الزمن والأحداث أن البوليساريو انتهى بها الأمر بالتحول نحو نموذج سياسي واجتماعي غير عقلاني يتم فيه التزاوج بين الولاءات القبلية وأساليب الشمولية السياسية والأيديولوجية الأكثر فظاعة.
والحقيقة الراسخة، تكمن في أن القيادة الحالية للبوليساريو فقدت البوصلة منذ ظهور حركة صحراويون من أجل السلام، وهذا ما دفعها إلى ارتكاب أكثر أخطاءها جسامة في الآونة الأخيرة، والمتمثل في الخرق الأحادي لوقف إطلاق النار في 13 نوفمبر 2020، وهو قرار أرغمها على التخلي عن مواقعها الاستراتيجية على الأرض، ونتج عنه تمركز دول مؤثرة، كإسبانيا التي فسرت هذا السلوك كإعلان حرب على جهود السلام المبذولة من طرف الأمم المتحدة.
لم يكن بمقدور قيادة حركة مسلحة عجوز ولدت في خضم الحرب الباردة أن تستوعب قدرة حركة معارضة خرجت من أحشائها على إثبات نفسها في أقل من سنتين، كبديل من خلال مشروع سياسي معتدل، قابل للتطبيق وقادر على إخراج الصحراويين من النفق. يضاف إلى ذلك، سبب آخر مزعج، يتمثل في حقيقة أن قيادة حركة صحراويون من أجل السلام ترجع أصولها إلى الصحراء الغربية، بينما ينتمي أغلب قادة البوليساريو إلى أصول جزائرية أو مغربية أو موريتانية.
لولا سخرية القدر وصدفة اللقاء مع العقيد القذافي ومشاريعه والاستفادة من أسلحته ودولاراته، لكان الصحراويون قد نجوا من حرب مأساوية لا تبقي ولا تذر، ولربما وصل مؤسسو البوليساريو حينها إلى الصحراء الغربية كعناصر مشاركة في صفوف المسيرة الخضراء سنة 1975.
ولعل من نافل القول، تفهم حالة التوتر والقلق التي تنتاب قيادة البوليساريو ولجوئها إلى حرب قذرة ضد حركة صحراويون من أجل السلام، والمؤكد انها بدأت تشعر للمرة الاولى بعد خمسة عقود بأن شرعيتها وتمثيليتها أصبحت مهددة بشكل جدي، من طرف مشروع سياسي أكثر ديمقراطية وتسامحا، وبالإضافة لتشكله من قبل صحراويين اصليين، فإن سجله خال من أي أثر لجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، وبالمحصلة قادر على قيادة الشعب الصحراوي إلى مستقبل يعمه السلام والرخاء.
الحاج أحمد باركلا
السكرتير الأول لحركة صحراويون من أجل السلام