بوبكر سلامة ولد اديش يـكتب
بين الطامح والطامع خيط رفيع لا يلمسه سوى المدرك لمدى الأضرار التي آلت إليها الأوضاع إجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا، الأضرار التي تتنامى بصمت وخفية…
سياق هذا القول شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام الذي هو بمثابة الترمومتر لقياس قضية الصحراء الغربية في سياقها الدولي، ومايرافق ذلك من زخم في التدافع بين أطراف النزاع هنا وهناك وهنالك.الصراع الذي مافتئ أن تنخفض درجة حرارته مع انصرام هذا الشهر.
وإذا اضطلعت على الصراع برؤية سطحية فإنك تقف على طرفي النزاع كلاعبين أساسيين في القضية هما المملكة المغربية و جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهما المعنيين بالتفاوض المباشر بالأمم المتحدة، في حين أن عمق الصراع ذو خيوط متشابكة تداخلا وتنافرا.في كل جهة منهما نصيب من التأثير والتأثر في تفاعل مستمر.
فالسلطات المغربية التي تروج لطرحها في الداخل عبر مايعتبرون أعيان الصحراء وشيوخها تحت يافطة الحكم الذاتي فإن هؤلاء أنفسهم من يتعامل مع قضية الصحراء الغربية بمنطق الغنيمة في ضرب تام لما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد والعباد، هؤلاء الذين تعول عليهم المملكة المغربية في تسيير مشروع الحكم الذاتي الذي تحاول الرباط رسمه بعد تنزيل الجهوية الموسعة في باقي الجهات، لم تربطهم بفكرة المشروع سوى كيف ستكون هذه الكعكة التي ستؤول إليهم أولا وأخيرا.
ولا يعنيهم في شيء متى وكيف بقدر مايعنيهم المكتسبات الضيقة. فليسو أكثر من أمراء حرب تعودوا على أن يقتاتوا من أقدم صراع سياسي في المنطقة دون إضفاء مكتسب يذكر للجماهير العريضة للصحراويين أو على مسقبل الأجيال اللاحقة، في غفلة تامة من دولة تحسب أنها تحسن صنعا.
وفي المقابل تعتمد جبهة البوليساريو في الداخل على من يعتبرون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان كمناضلين يروجون لطرحها (تقرير المصير-والإستقلال) من خلال جمعيات مدنية تمثلها، تندد بالإنتهاكات التي تمارسها السلطات المغربية في حق من يعبرون عن دعمهم لفكرة الإستقلال وترفع على ذلك تقارير إلى المجتمع الدولي التي تمدهم بالدعم المادي والإعلامي لاستمرارية اشتغالهم.
لكن قياداة الجبهة وعلى طول المسيرة النضالية للمدافعين عن حقوق الإنسان، لم تجعل أي طرف يخرج من دائرة العمل الحقوقي صوب السياسي.لتتفرد بالتمثيلية وتحصنها في شتى المراحل منذ نشأتها.
وإذا كانت كلها أدوات للاعبين في الساحة السياسية فإن أكتوبر /تشرين الأول السنة الحالية جاء بمستجدات أعطت لقضية الصحراء الغربية زخما كسر تلك الرتابة التي تعودنا عليها السنوات الأخيرة كيف لا والمستجدات المتلاحقة بسرعة الضوء ما لبثت أن قلبت المشهد السياسي بصورة غير معتادة بالمطلق.فبينما تطفو على سطح الساحة حركة حديثة المنشأ تحاول رسم معالم خاصة بها وتحاول التموقع كطرف ولاعب ثالث في النزاع وليس كأداة ، حركة تحت مسمى حركة صحراويون من أجل السلام تحت قيادة شخصية رفيعة سابقا في جبهة البوليساريو، والتي قد يعتبرها البعض صنيعة للإستخبارات المغرببة في محاولة بئيسة للتقليل من شأنها.إلا أن الملم بخفايا الصراع (ومن بينهم قياداة جبهة البوليساريو) تدرك لا محال أنها ردة فعل طبيعية لسيرورة الصراع الطويل الذي أنهك فئة واسعة من الجماهير الصحراوية في الداخل والمهجر وبالمخيمات، وسبب في شرخ ثقافي عميق.فهذه الحركة ومنذ ميلادها القريب إلا أنها تعمل بخطى حثيثة لتوسيع مجال اشتغالها، موازاة مع عملها في إيصال صوتها لأبعد مدى داخل المجتمع الدولي كما راينا في مشاركة رئيس الحكومة الإسبانية السابق خوسي لويس ساباطيرو عن بعد.
فنشأة هذا الكيان قد يعبر عن فئة واسعة من الصحراويين الذين لقو الحيف من اللاعبين الأساسيين في النزاع في تدافع مستمر ومتواصل لم يفد بين الطرفين سوى فئة ضيقة تعودت على طول الصراع وتعايشت معه بمفهوم الغنيمة كوظيفة أبدية.ولم يزد في قضية هذا الشعب سوى معاناة ما بعدها معانات. فكل منا يلمس هذا الشرخ الهوياتي للإنسان الصحراوي ثقافيا وسياسيا وإجتماعيا…إلى درجة أنك حين تجالس صحراويين من الداخل والمهجر يظهر لك جلاء،التباين والفروق السوسيوثقافية وهذا طبيعي لجسم تفرق زهاء أربع عقود ونيف فما بالك بأمة بعينها،في اختلاف للبيئة والمنشأ والخصوصية،وقس على ذالك.وكأنه لكل هوية.
بيد أن الذي يبرز قوة حركة صحراويون من أجل السلام، في المشهد السياسي رغم حداثتها وطراوة أفكارها.تهافت قيادات جبهة البوليساريو لكبح جماحها في إنشاءها لحركة مقابلة لها ،قيادات البوليساريو التي تفردت بالعمل السياسي ولم تزكي فردا منذ نشأتها يالعمل السياسي خارج إطار قياداتها هاهي تزكي ولو بطريقة غير مباشرة مأسسة حركة سياسية ISACOM أو ما يسمى بمناهضة الإحتلال المغربي في 20 سبتمبر /أيلول المنصرم.
وإذا كانت سنة 2020 سنة العجائب والغرائب والتغيرات المتلاحقة في قضية الصحراء الغربية ،فإنها كذالك عندما صادفت ترؤس الإتحاد الروسي لمجلس الأمن.موسكو التي لم تصوت على القرار الأخير لتمديد بعثة المينورصو إلى جانب الصين الشعبية ،بداعي أن القرار يحمل مفاهيم عامة ومعاني فضفاضة لا تساهم في تقدم لحل النزاع بقدر ما تساهم في إضفاء الضبابية على الصراع الممتد زهاء عشرات السنين.
فهل تكون موسكو حقا صارمة في المضي قدما نحو حل للنزاع على ضوء ماتشهده القضية من مستجدات لا ندري أهي تقدم الملف أم تساهم في فك خيوطه…!!؟
اذا كان المقصود بالخيار الثالث هو إيجاد حل لمسألة تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، فالأمر قد حسم منذ سنوات مع مقترح جيمس بيكر وما تلا ذلك من التزامات و تنازلات مؤلمة من طرف البوليساريو. بمعنى أن أي رؤية ثالثة هي لعب في الوقت بدل الضائع.اما اذا كان المقصود جسما سياسيا ينشط ضمن دائرة الثوابت الوطنية مرجعيتها الأساس تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية و حق تقرير مصير الشعب الصحراوي،فالأمر مرحب به جماهيريا يلزم النخب الدفاع عنه وليس تبنيه او الانخراط فيه.